الأحد، 28 يونيو 2009

مسير السالكين - العارف بهجت

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب } الرعد -41

فإذا عرفنا المحرك، واطلعنا على حسن تدبيره وحكمته من انتظام المتحركات، كان كل
توجهنا وهمنا إرادته التكوينية والتشريعية.. فهنيئاً للعارف لأهل المعرفة، وإن كان
أكثر الشهداء بذلاً وتضحية.. وتعساً للجاهل لغير العارف، حتى لو كان فرعون
زمانه.

عاقبة هذه الحركات يقول الجاهل: (ليت أمي لم تلدني) ويقول العالم:
(ليتني سرت نحو المقصد سبعين مرة، ثم عدت وسرت ثانية، واستشهدت في سبيل الحق)..
ولكيلا نعود من حياتنا بالندم أقول بصراحة: لو انقضى مثلاً نصف عمر أي شخص في ذكر
المنعم الحقيقي، ونصفه الآخر في الغفلة، لاعتبر نصف عمره حياة لـه، والنصف الآخر
موتاً، مع اختلاف عن الموت في الأضرار وعدم النفع.

إن من يملك المعرفة بالله، يصير مطيعاً له، ويكون شغله وارتباطه به تعالى، ويعمل بما يعلم بأنه موافق
لرضاه، ويتوقف فيما لا يعلم إلى أن يعلم، ويسعى لتحصيل العلم بذلك آناً فآن، لكي
يعمل أو يتوقف.. فعلمه ناشىء عن الدليل، وتوقفه راجع لعدم وجود دليل.

هل من الممكن لقافلتنا أن تصل إلى المقصد، عبر هذه العقبة المليئة بالخطر، من دون التسلح
بطاعة الله القادر؟.. هل من الممكن أن يكون وجودنا من الخالق تعالى، وقوتنا من
غيره؟.. فلا قوة نافعة باقية إذن إلا لأهل الله، ولا ضعف إلا لغيرهم.

من كلمة للمرجع الراحل العارف الشيخ محمد تقي بهجت (رضوان الله تعالى عليه)

بمناسبة أربعينية العالم العارف آية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجت (قدس سره) .. نهدي إلى روحه الطاهرة ثواب الفاتحة و الإخلاص و الصلاة على محمد و آل محمد (ص)

و الله الموفق
.،.

همسة : من أسهل الأمور .. الإستهزاء بالأموات و مهاجمتهم و محاولة الحطّ من قدرهم .. إن الله قوي عزيز




الخميس، 11 يونيو 2009

محمد (ص) .. رمز الكمال الإنساني

بسم الله الرحمن الرحيم

على مر التاريخ ، كانت الإنسانية على سعي تام نحو التكامل و بلوغ أسمى المراتب الكمالية . و هذا السعي بحاجة إلى منهج معين و قدوة. و لهذا و على اختلاف العصور ، كان لرسالات السماء الدور الأكبر لبلوغ هذا الهدف
.و من أعظم الأمثلة على هذه القدوة هو رسولنا الكريم (ص) ، الذي أرسله الله عزوجل ليتمم مكارم الأخلاق و ليسموا بالبشرية نحو التكامل المنشود.
فمن حقنا كمسلمين، أن نحتفل بذكرى مولد رسول الله (ص) و حفيده الإمام الصادق (ع) في كل عام ، تخليداً لذكراهم و إحياءً للقيم التي وضعوها للمجتمع الإسلامي بشكل خاص و الإنساني بشكل عام. و لا تقتصر إحياء الذكرى بالإحتفالات و الأناشيد فقط ، بل يجب أن نستغل هذه الأيام المباركة للإستفادة من سير حياتهم و الإقتفاء بآثارهم.
و عندما نريد الحديث عن دور رسول الله (ص) في تكامل الإنسانية ، فإن خير ما نذكره هو ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم و ما وضحه آل بيته الأطهار في أحاديثهم و خطبهم.

(هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمه وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين)
الجمعة 2
السعي نحو التكامل يقسم إلى مراحل معينة وضحتها الآية السابقة ، فبداية مع التلاوة و مروراً بالتعلم و تصل ذروتها في بلوغ الحكمة المنشودة :
أ- (يتلوا عليهم آياته..)
الآيات في الغالب تكون معالم للطريق و بها يكون استثارة العقل و لهذا كان تذكير الإنسان برسالات و آيات الأنبياء و بتذكير الناس بهذه الآيات يكون بث الثقافة الصحيحة لكي يقتنعوا بالإصلاح و ضرورته.
ب- (و يزكيهم)
أن يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان ، ليصبح لديهم القابلية النفسية و الفعلية لتلقي تعاليم الرسالة عن طريق إزالة ما في القلوب من أدران الشرك و التخلف و الجاهلية كما قالت مولاتنا الزهراء عن رسول الله (ص) : "كشف عن القلوب بهمها و جلا عن الأبصار غممها"
ج- (و يعلمهم الكتاب)
بعد تطهير النفوس يأتي دور التعليم ، تعليم كتاب الله عزوجل و من الكتاب استخرج لهم رسول الله (ص) مناهج الحياة في السياسة و الإقتصاد و الإجتماع و بقية الجوانب الحياتية.
د- (و الحكمة) و حتى يتمكن المسلمين من قيادة الحياة عملياً بنهج القرآن القويم ، يجب عليهم أن يلتزموا بالحكمة كما علمها رسولنا الكريم ، فبالحكمة تُستَنبَط الحلول لمشاكل الحياة و مفرداتها استناداً على القرآن الكريم و ما يحتويه من مفاهيم و أحكام ، أما تعريف الحكمة فهي كما وصفها الإمام أبي عبدالله الصادق (ع) : "إن الحكمة المعرفة و التفقه في الدين ، فمن فقه منكم فهو حكيم.."
نور الثقلين ج1 ص 287
و كما قالت الزهراء (ع) في خطبتها المشهورة : " ابتعثه الله اتماما لامره ، و عزيمة على امضاء حكمه ، و انفاذا لمقاديـر حكمته ، فراى الامم فرقا في اديانها ، عكفا على نيرانها ، عابدة لاوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ظلمها ، و كشف عن القلوب بهمها ، و جلى عن الابصار غممها ، و قام في الناس بالهداية ، فانقذهم من الغواية ، و بصرهم من العماية ، و هداهم الى الدين القويم ، و دعاهم الى الصراط المستقيم "

" و اليوم حيث نريد العودة الى الاسلام باعتباره الحل الامثل للمشاكل المعوزة التي لا تستطيع البشرية الفرار منها لا بد ان نعود من الباب الذي ولجه المعلم الاول للرسالة نبينا الكريم ( صلى الله عليه وآله ) ، فنشرع بآيات الله نتلوها على الناس ، و نذكرهم بربهم حتى ينصهروا جميعا في بوتقة الوحدة الربانية ، ثم نعلمهم كتاب ربهم حتى يتشبعوا بقيمه المتسامية ، و يتسلحوا برؤاه و بصائره ، و ينبعثوا من آياته في كافة تصرفاتهم و مواقفهم ."
(تفسير من هدي القرآن ج16)

و في آية أخرى ، يذكر الحق تبارك و تعالى المنهج القويم الذي اتبعته رسالات السماء بـ (
لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز ) الحديد 25

أما (البينات) فهي تفاصيل الهداية المتمثلة في الثقافة التوحيدية بالإضافة إلى الحجج و البراهين التي تكون موجهة إلى العقل كالمعاجز. و حين لا تكتمل رسالة إلهية إلا اذا تحولت إلى نظام ثقافي ،تربوي ، سياسي و إجتماعي يأتي دور (الكتاب) الذي هو عبارة عن شريعة حياة متكاملة. و أما (الميزان) فهو الوسيلة التي بها نعرف مضامين الكتاب الخارجية من قوانين تهدف إلى تنظيم العلاقات الإجتماعية و التربوية و السياسية في الواقع الخارجي. و في النهاية كان (الحديد) و هو موجه إلى فئة من الناس الذي يخالفون الحق و قد أنزل الله الحديد وسيلة رادعة لتنفيذ القسط و العدل بين الناس ، و يجب إلى الإشارة إلى أن القوة ليست الوسيلة الوحيدة المناسبة دائماً ، فما يقره الإسلام هو شرعية القوة في حالاتها الخاصة و ليس شريعتها. هذه هي المناهج التي اتبعتها الرسل لبلوغ التكامل الإنساني.

أما شخصية رسول الله (ص) ، فهي بحد ذاتها رمز للكمال الإنساني بشكل عام و هو أيضاًَ رمزاً للكمال المطلق على مستوى الأنبياء و الرسل بشكل خاص، فكما أن القرآن الكريم هو خاتم الكتب و به كمال شريعة السماء ، كذلك شخصية رسول الله (ص) فهي مزيج من موسى (ع) مظهر الغضب الإلهي و عيسى (ع) مظهر الرحمة الإلهية. فتراه في حومة الوغى و في طليعة اصحابه المتشوقين للقتال و الجهاد في سبيل الله ، فها هو علي (ع) يقول : "كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله" . و تراه في حين آخر ، و بعد أن افتقد جاره اليهودي الذي كان يلقي عليه القاذورات ، يسأل عنه و حين يسمع بمرضه ، يذهب لعيادته !
و في فتح مكة ، نراه (ص) يحل دماء عشرة من المشركين و إن كانوا متمسكين بستار الكعبة ، و في حين آخر نراه ينظر إلى مجموعة من المشركين و من الذين قاتلوه في بدر و أحد ، فيقول بصوت ملؤه العفو و الرحمة "إذهبوا .. فأنتم الطلقاء!".

و قد قال أحد علماء اللاهوت السويسريين و هو الدكتور هانز كونج (1) "إن محمد(ص) نبي حقيقي بكل ما في الكلمة من معنى، ولا يمكننا بعد إنكار أن محمداً هو المرشد القائد إلى طريق النجاة".
هذا هو رسول الله (ص) ، و مهما تحدثنا عنه سنبقى مقصرين، و ستبقى هناك الكثير من جوانب حياة هذه الشخصية العظمى مجهولة للكثير. فهو (ص) رمزٌ للكمال الإلهي و ستبقى سيرة حياته نبراساً و نهجاً خالداً للأمم الإنسانية في مسيرتها نحو الإصلاح و الكمال.
فها هو الأديب الايرلندي برنارد شو(2) يتحدث عن شخصية رسول الله (ص) قائلاً : "لقد اطّلعت على تاريخ هذا الرجل العظيم محمد(ص)، فوجدته أعجوبةً خارقةً، لا بل منقذاً للبشرية، وفي رأيي، لو تولى العالم الأوروبي رجل مثل محمد(ص) لشفاه من علله كافة… لقد نظرت دائما الى ديانة محمد (ص) بأعلى درجات السمو بسبب حيويتها الجميلة. إنها الديانة الوحيدة في نظري التي تملك قدرة الاندماج… بما يجعلها جاذبة لكل عصر،إني أعتقد أن الديانة المحمدية هي الديانة الوحيدة التي تجمع كل الشروط اللازمة وتكون موافقة لكل مرافق الحياة…. ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد(ص) ليحل مشاكل العالم ".

(1) دكتور هانز كونج : من قساوسة الكاثوليك و علماء اللاهوت السويسرين ، ولد عام 1928
(2) جورج برنارد شو : كاتب مسرحي اجتماعي إيرلندي ، حائز على جائزة نوبل للأدب عام 1925 ، ولد عام 1856 و توفي في 1950

المصادر :
- القرآن الكريم
- تفسير "من هدي القرآن" ج15 -المرجع المدرسي -
- سيماء محمد (ص) - علي شريعتي -


و الله الموفق

.،.
الصورة للمبدع navidrahimirad